فتاوى الندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة (المنعقدة في القاهرة 14 ربيع الأول 1409 هـ الموافق 25/10/1988 م) الفتاوى والتوصيات
1- مقدار الزكاة الواجب في عروض التجارة:
لا يختلف النصاب والمقدار الواجب إخراجه بين زكاة النقود وزكاة عروض التجارة, وعلى ذلك استقر إجماع الفقهاء المعتبرين, وما قد يظن من أن في هذه التسوية تخفيفًا على المكتنز وتشديدًا على المستثمر بسبب أخذ نفس النسبة ممن استثمر ماله بحيث يختفي الحافز على الاستثمار هو غير صحيح, لأن الاستثمار يهدف إلى زيادة أصل المال وبذلك يمكن أداء الزكاة من الريع والحفاظ على الأصول.
أما من لا يجد فرصة للاستثمار فإنه يؤدي زكاته من رأس المال دائمًا, ولذا حثت السنة ولي اليتيم على الاتجار بمال اليتيم حتى لا تأكله الزكاة.
هذا من جهة, ومن جهة أخرى ليس كل مال يحول عليه الحول من النقد يعتبر مكتنزًا, كما أن المستثمر يُخفَّف عنه بعدم فرض الزكاة على المال الذي يتحول إلى أصول ثابتة, والنقود في معظم الأحوال رءوس أموال لمشاريع استثمارية أو للحصول على توابعها.
2 - المشروعات الصناعية:
بعد الاطلاع على ما جاء عن هذا الموضوع في فتاوى مؤتمر الزكاة الأول (البند 6) تبين أن المشروعات الصناعية يمكن قياسها على الأراضي الزراعية باعتبار كل منهما أصلًا ثابتًا يدر دخلًا متجددًا بالعمل فيه والنفقة عليه ومن ثم تجب الزكاة في المنتوج بنسبة 5% كما يمكن معاملة رأس المال العامل (الأصول المتداولة) من المشروع الصناعي معاملة عروض التجارة ومن ثَم تجب الزكاة في الأصل والناتج بنسبة 2.5% مع عدم خضوع الأصول الثابتة فيه للزكاة.
ويحتاج هذا الموضوع إلى مزيد من الدراسة والتداول في ندوة قادمة إن شاء الله.
3- نقل الزكاة خارج منطقة جمعها:
مع مراعاة ما ورد في القرار (5 هـ) للمؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية من أن الزكاة تعتبر أساسًا للتكافل الاجتماعي في البلاد الإسلامية كلها, فإن الأصل الذي ثبت بالسنة وعمل الخلفاء هو البدء في صرف الزكاة للمستحقين من أهل المنطقة التي جمعت منها, ثم ينقل ما فاض عن الكفاية إلى مدينة أخرى باستثناء حالات المجاعة والكوارث والعوز الشديد فتنقل الزكاة إلى من هو أحوج, وهذا على النطاق الفردي والجماعي, كما يجوز على النطاق الفردي نقلها إلى المستحقين من قرابة المزكي في غير منطقته.
4 - الإبراء من الدين على مستحق الزكاة واحتسابه منها:
إسقاط الدائن العاجز عن استيفاء دينه على المدين المعسر لهذا الدين لا يحتسب من الزكاة ولو كان المدين مستحقًّا للزكاة, وهذا ما ذهب إليه أكثر الفقهاء.
ومن الصور المتصلة بهذا الموضوع:-
أ - لو دفع المزكي الدائن الزكاة للمدين ثم ردها المدين إلى الدائن وفاء لدينه من غير تواطؤ ولا اشتراط, فإنه يصح ويجزئ عن الزكاة.
ب - لو دفع الدائن الزكاة إلى المدين بشرط أن يردها إليه عن دينه, أو تواطأ الاثنان على الرد, فلا يصح الدفع ولا تسقط الزكاة, وهذا رأي أكثر الفقهاء.
ج - لو قال المدين للدائن المزكي: ادفع الزكاة إليّ حتى أقضيك دينك ففعل, أجزأه المدفوع عن الزكاة وملكه القابض, ولكن لا يلزم المدين القابض دفع ذلك المال إلى الدائن عن دينه.
د - لو قال رب المال للمدين: اقض يا فلان ما عليك من الدين على أن أرده عليك عن زكاتي فقضاه صح القضاء ولا يلزم الدائن رد ذلك المال إلى المدين بالاتفاق.
5 - اعتبار ما أخرج على ظن الوجوب زكاة معجلة:
يجوز اعتبار المدفوع على ظن الوجوب زكاة معجلة إذا تحققت شروط التعجيل مثل ملك المزكي النصاب, وبقاء المدفوع إليه بصفة الاستحقاق, ووجوب الزكاة على المزكي.
وهذا ما ذهب إليه الفقهاء غير المالكية, فإذا اختل شرط من هذه الشروط كان المدفوع صدقة تطوعية, ولا يجوز استردادها إذا قبضها المستحق من المزكي, أما إن كان القبض من ولي الأمر أو من مؤسسة للزكاة فلا مانع من الاسترداد بعد ثبوت كون المدفوع زيادة عن الواجب إذا لم يوزع على المستحقين.
6 - إلزامية الزكاة وتطبيقها من ولي الأمر:
أ - دعوة الحكومات في البلاد الإسلامية إلى العمل الجاد لتطبيق الشريعة الإسلامية في مجالات الحياة كافة, ومن ذلك إنشاء مؤسسات خاصة لجمع الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية على أن تكون لهذه المؤسسات ميزانية مستقلة في مواردها ومصارفها عن الميزانية العامة للدولة, أما في البلاد غير الإسلامية فالبديل هو الجمعيات التي تعني بشؤون الزكاة.
ب - دعوة الحكومات الإسلامية لإصدار التشريعات الكفيلة بإقامة مؤسسات الزكاة التي يشرف عليها أهل الدين والأمانة والكفاية والعلم.
ج - دعوة الحكومات إلى تضمين تشريعاتها الضريبية نصوصًا تقضي بحسم مقدار الزكاة مهما بلغ من الضرائب المقررة قانونًا.
د - دعوة الحكومات الإسلامية التي تطبق فريضة الزكاة إلى الأخذ برأي القائلين من الفقهاء المعاصرين بفرض ضريبة تكافل اجتماعي على مواطنيها من غير المسلمين بمقدار الزكاة وأن تكون هذه الضرائب الموازية للزكاة موردًا لتحقيق التكافل الاجتماعي العام الذي يشمل جميع المواطنين ممن يعيش في ظل دولة الإسلام.
7- مصرف (في سبيل الله):
إن مصرف (في سبيل الله) يراد به الجهاد بمعناه الواسع الذي قرره الفقهاء بما مفاده حفظ الدين وإعلاء كلمة الله, ويشمل مع القتال الدعوة إلى الإسلام والعمل على تحكيم شريعته ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه وصد التيارات المعادية له.
وبهذا لا يقتصر الجهاد على النشاط العسكري وحده.
ويدخل تحت الجهاد بهذا المعنى الشامل ما يلي:-
أ - تمويل الحركات العسكرية الجهادية التي ترفع راية الإسلام وتصد العدوان على المسلمين في شتى ديارهم مثل حركات الجهاد في فلسطين وأفغانستان والفلبين.
ب - دعم الجهود الفردية والجماعية الهادفة لإعادة حكم الإسلام وإقامة شريعة الله في ديار المسلمين ومقاومة خطط خصوم الإسلام لإزاحة عقيدته وتنحية شريعته عن الحكم.
ج - تمويل مراكز الدعوة إلى الإسلام التي يقوم عليها رجال صادقون في البلاد غير الإسلامية بهدف نشر الإسلام بمختلف الطرق الصحيحة التي تلائم العصر, وينطبق هذا على كل مسجد يقام في بلد غير إسلامي يكون مقرًّا للدعوة الإسلامية.
د - تمويل الجهود الجادة التي تثبِّت الإسلام بين الأقليات الإسلامية في الديار التي تسلط فيها غير المسلمين على رقاب المسلمين, والتي تتعرض لخطط تذويب البقية الباقية من المسلمين في تلك الديار.
8- الزكاة ورعاية الحاجات الأساسية الخاصة:
أ - يرتبط مفهوم الحاجات الأساسية التي تراعيها الزكاة بجميع عناصر مقاصد الشريعة الإسلامية من ضروريات وحاجيات لتحقيق الكفاية بما يتلاءم مع الأعراف السائدة زمانًا ومكانًا, وتوفير التكافل الاجتماعي بين المسلمين.
ب - معيار الحاجات الأساسية التي توفرها الزكاة للفقير المسلم هو أن تكون كافية لما يحتاج إليه من مطعم وملبس وسكن وسائر ما لا بد له منه على ما يليق بحاله بغير إسراف ولا تقتير للفقير نفسه ولمن يقوم بنفقته.
ج - على من يصرف الزكاة من الأفراد والمؤسسات أن يتحروا عمن تصرف له الزكاة بالوسائل المتاحة التي لا تمس كرامته أو تجرح شعوره بحيث تحصل الطمأنينة بأنه من أهل الاستحقاق, ولا يلزم تكليفهم بأزيد من ذلك كالبينة واليمين إلا في حالات الاشتباه وكثرة ادعاء الاستحقاق الذي تدل القرائن على عدمه.
9- زكاة القروض الإسكانية والاستثمارية المؤجلة:
مع مراعاة ما ورد في مؤتمر الزكاة الأول البند (10) بشأن الدين الاستثماري والزكاة وما رأته اللجنة في ذلك المؤتمر من الأخذ مبدئيّا في هذا بخصوصه بمذهب من قال من الفقهاء (أنه إذا كان الدين مؤجلًا فلا يمنع من وجوب الزكاة. على أن الأمر بحاجة إلى مزيد من البحث والتثبت والعناية)
استقر الرأي في هذه الندوة على ما يلي:
الديون الإسكانية وما شابهها من الديون التي تمول أصلًا ثابتًا لا يخضع للزكاة ويسدد على أقساط طويلة الأجل يسقط من وعاء الزكاة ما يقابل القسط السنوي المطلوب دفعه فقط إذا لم تكن له أموال أخرى يسدده منها.
أما القروض التي تمول رأس المال المتداول (العامل) فإنها تخصم كلها من وعاء الزكاة, والحاجة قائمة لمزيد من البحث في تفاصيل جوانب هذا الموضوع.
10 - محاسبة الزكاة للشركات بأنواعها:
ناقشت الندوة هذا الموضوع من خلال بحثين فنيين فقط وانتهت إلى:
أ - التوصية بتكوين لجنة فرعية بمعرفة الهيئة الشرعية العالمية للزكاة بالكويت وذلك لبحث موضوع محاسبة الزكاة للشركات بأنواعها ويكون أعضاؤها:
- من المحاسبين الذين يمارسون المحاسبة كمهنة ومن الأكاديميين المتخصصين بعلم وفن المحاسبة.
- ومن الفقهاء والباحثين المتخصصين بشؤون الزكاة والاقتصاد الإسلامي.
وتكون مهمة اللجنة دراسة الأمور الفعلية الخاصة بحساب الوعاء الزكوي ودراسة المبادئ والقواعد والأعراف المحاسبية المعتمدة في إعداد البيانات المالية للشركات على اختلاف أنواعها وأعمالها وتقديم البحوث المناسبة لدراستها من قبل ندوات تعقد في المستقبل.
ب - أكدت الندوة بشأن الحول أن السنة المالية للزكاة هي السنة القمرية وليست السنة الشمسية, وعليه فإنه من الضروري أخذ هذه المسألة عند احتساب الزكاة على الشركات التي تعد بياناتها المالية على أساس السنة الشمسية طبقًا لما انتهى إليه مؤتمر الزكاة الأول (البند 9).
11 - زكاة عروض التجارة من أعيانها:
الأصل إخراج زكاة عروض التجارة نقدًا بعد تقويمها وحساب المقدار الواجب فيها, لأنها أصلح للفقير حيث يسد بها حاجاته مهما تنوعت, ومع ذلك, يجوز إخراج زكاة عروض التجارة من أعيانها إذا كان ذلك يدفع الحرج عن المزكي في حالة الكساد وضعف السيولة لدى التاجر, ويحقق مصلحة الفقير في أخذ الزكاة أعيانًا يمكنه الانتفاع بها.
وهذا ما اختارته الندوة في ضوء الاجتهادات الفقهية وظروف الأحوال.
ويتم تقويم عروض التجارة بحسب قيمتها السوقية يوم وجوب الزكاة وتُقَوم السلع المباعة جملة أو تجزئة بسعر الجملة.